الأحد، ٣٠ كانون الثاني ٢٠١١

الشعب يريد...

kolonagazza
نوال السباعي– مدريد
معجزة يتردد صداها من المحيط إلى المحيط ، معجزة ، هي هذه الثورة التونسية الشعبية ، بالقياس للأوضاع الإنسانية المهينة التي تعيشهاالمنطقة العربية ، وبالمقارنة مع حجم التعب الذي أنهك أرواحنا بسبب من طغيان الحكام ونهبهم الخيرات ، وسبب من طغيان المحكومين وانهيار المنظومة الأخلاقية في المجتمعات ، معجزة باعتبار التداعي الاستعماري علينا ثقافيا وعسكريا ، لامتصاص ثرواتنا ،ودعم السرطان الإسرائيلي الذي أحدثه في قلب القلب .
هذه الملابسات نفسها،تشكل التحديات الحقيقية لهذه الثورة ،التي يستحيل أن يتوقف أثرها على الشعب التونسي وحده ، إنه زلزال تنتشر اهتزازاته في منطقتناالتي تمتد حدودها من القهر إلى القهر ، كما فيمن يعتبرون أنفسهم "المجتمع الدولي" ، الذي مازال يعاني من حالة الصدمة تجاه مايجري في تونس ، والذي تردد صداه مباشرة في صنعاء والقاهرة والجزائر ، في زمن انفصمت فيه عروة فلسطين إلى شرقية وغربية ، وباتت القضية الشماعة التي يعلق عليها الجميع شهواتهم في الالتصاق بالكراسي ، ويشهد فيه لبنان "انقلابا" خطيرا لايعلم إلا الله ماسيترتب عنه في القريب أو البعيد.
المشهد بالنسبة لمن يسمون أنفسهم "المجتمع الدولي" فظيع! ، لأنه يخرج من حساباتهم ، ويتمرد على مخططاتهم ، ويكاد يفلت من قبضة مصالحهم السرية والعلنية ، التي تريد في المنطقة ديمقراطيات تخدم مصالحهم فقط، وليس ديمقراطيات تنمو بإنسانها ومجتمعاتها، والأخطر بالنسبة لهذا المجتمع الدولي فيم يجري ،أنه لافضل له ألبتة في شيء مما حصل ويحصل ليَدّعي الفضل له فيه!!، فالمنطقة التي استولى عليها الغرب بعد انهيار الامبراطورية العثمانية، فاستعبد أهلها ونهب خيراتها ، بتواطيء بعضٍ من مُستبديها ، خاصة فيم بعد 11/9، بدا أنها غير ميتة ولا مستسلمة ، وأن الجيل الجديد المولود في "تيه" الوهن والارتكاس ،والتمزق بين الشعارات ، خرج لتوه من قمقم الصبر والقهر ، وتجاوز الحركات التي عملت طويلا لبث الروح فيه على اختلاف مشاربها، إسلامية كانت أم قومية أم علمانية ، ورفع صوته بشعار "الشعب يريد " ، فهو في تونس لم يكتف بطرد عصابة السراق ، بل يريد تغيير الحكومة وسط ضغوط دولية وعربية هائلة لسرقة ثورته ،و في مصر يريد إسقاط النظام ، هكذا ..على النهج الذي سنه التونسيون لهذه الأمةالواحدة ، بمقاطعاتها الاثنتين والعشرين ، الشعب يريد.. في اليمن والجزائر ، ويريد في سوريا وفي الكويت وفي قطر وفي السعودية وفي المغرب، الشعب يريد ، وإرادته يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار .
ويتوقف سير الأمور في المرحلة المقبلة نحو تغيير شامل عميق إيجابي ، أو دمار وفوضى شاملة ، على ذكاء مفرط يجب أن يلوذ به الحكام ، خاصة بعد الدرس التونسي البليغ من جهة ، ومن الجهة الثانية على ضبط مفرط للنفس في الشارع، فلايلجأ إلى العنف كائنة ماكانت نية السلطات في هدر دمه.
إن قدرة الشعب على رفع الصوت والتعبير عن إرادته مرتبطة بالدرجة الدنيا من الوعي بالحقوق والواجبات والحريات والكرامة، ولذلك فقد رأينا ان أول بوادر هذه الانتفاضات قد بدأت من الكويت ، وأن أول وزير عربي يستقيل في تاريخنا الحديث بسبب وفاة مواطن تحت التعذيب كان وزيرا كويتيا ، مرت على استقالته وسائل الإعلام -المشغولة بتليمع البعض على حساب آخرين – مرور الكرام !، إنه التحدي الحقيقي الذي ينتظر حكام هذه المنطقة ، إن بقي لديهم بقية من وطنية وإنسانية وإخلاص ، لأن الوطنية والإخلاص لاتتجليا إلا في مثل هذه المواقف في حياة الأمم ، ولقد منحتهم الثورة التونسية فرصة فريدة ،ليعيدوا التأمل والتفكير، فلن تأتيهم الثورة بغتة!!، ولكن باستطاعتهم إن أرادوا أن تصبح خير أيامهم أواخرها ،وخير أعمالهم خواتيمها!!،فيكونوا مع شعوبهم في عملية التغيير الآتية لامحالة فيردوا للشعوب أموالها وكرامتها وحريتها و..حقوقها!، أوأن يكونوا حيث يكون كل طاغية مستبد في التاريخ.
، ومادام الحاكم والمحكوم قد اشتركا في لعبة الفساد والقمع والطغيان في منطقتنا خلال أربعين عاما، فإن من الممكن كذلك أن يكونا شريكين في عملية التغيير التي بدأت من تونس ، والثورة كالحب والحرب ، تحتاج كي تنجح إلى طرفين دائما ، قيادات شعبية نزيهة اليد، قوية حازمة واضحة الرؤى والأفكار والمناهج ، وشعوب تعرف ماتريد..، وطرف ثالث نضيفه إلى معادلتناخاص بالمنطقة العربية وملابسات الاستبداد فيها ، وهو هذه الحكومات التي ارتكبت الجرائم التاريخية بحق العباد والبلاد ،والتي من أخطرها استئصال الطبقات القيادية البديلة ، لقد حانت ساعة القصاص ، فما أجمل التوبة فيها والعودة إلى الشعب ، الذي "قد"، وأقول "قد" يتمتع بالعفو عند المقدرة ،على طريقة "نلسن مانديلا".

ليست هناك تعليقات: