الأحد، ٣٠ كانون الثاني ٢٠١١

سوسيولوجية الثورات: شعوب تضحي وانتهازيون يقطفون الثمرات

kolonagazza
بوفلجة غيات
عادة ما تنطلق الانتفاضات والثورات بعد احتقان اجتماعي كبير، وظهور مشاكل سياسية واقتصادية واجتماعية، وانتشار الظلم والتسلط والاستغلال وانسداد آفاق أي تحسن وانتشار البطالة بين الشباب وخريجي الجامعات وغياب الديمقراطية وحقوق الإنسان. إن تعفن الأوضاع وبُعد انشغالات الحكام عن انشغالات المجتمعات يؤدي إلى ظهور الانتفاضات والثورات.
يمكن للشباب إطلاق الثورات، كما حدث في تونس أو مصر، إلا أن نتيجة هذه الثورات ليست دائما مضمونة رغم نجاحها. إذ كثيرا ما تختطف الثورات من طرف جهات داخلية انتهازية بحيث أن النظام يخلف نفسه، بعمليات ذكية تجعل الوجوه تختلف مع بقاء نفس الأنظمة، وهو ما يمنع الجهات التي تضحي في الانتفاضات تفشل في قطف انتصاراتها ونتائجها.
وهكذا نجد أن الرئيس التونسي الهارب بن علي، ترك السلطة إلى رئيس البرلمان وإلى محمد الغنوشي رئيس الحكومة، وقد سعى هذا الأخير إلى الحفاظ على نفس الحكومة، مما يسهل عودة الدكتاتور الهارب بعد استتباب الأمن. أو على الأقل يضمن الاستمرار في استغلال الأموال التي نهبها، وعدم محاسبته وعائلته من طرف النظام الجديد. كما يمكن التحكم في الانتخابات القادمة والحفاظ على رجالات النظام السابق في دواليب الدولة.
وفوق كل ذلك، فإن الجهات الأجنبية، وخاصة الولايات المتحدة وإسرائيل وفرنسا وغيرهم من الدول الغربية، تكون راضية عن النظام الجديد الذي يستمر في خدمة مصالحها، وبالتالي يصبح النظام الجديد عبارة عن استمرار للنظام القديم.
وقد ظهرت حكومة محمد الغنوشي بعد هروب بن علي، واستمر وزراء السيادة في مناصبهم، أي وزارة الدفاع والداخلية والخارجية، إلى جانب رئاسة الوزراء. أما المعارضة فحصلت على وزارات التربية والشؤون الاجتماعية وغيرها من الحقائب غير المؤثرة في الدولة. وقد كانت المعارضة واعية لما يجري في تونس، واستمرت المظاهرات في الشوارع إلى أن تمّ إبعاد وزراء عهد بن علي من الحكومة الجديدة، في انتظار إجراء الانتخابات القادمة، بحيث سيتم طرد بقايا النظام البائد.
نفس الشيء تقريبا شاهدناه في مصر، حيث انطلقت الثورة المباركة، التي شارك فيها الشعب المصري بكل أطيافه ومذاهبه وأديانه واتجاهاته السياسية والإيديولوجية دون تمييز. فرغم مشاركة كل الأحزاب السياسية في الانتفاضة، إلا أن الثورة طغى عليها عنصر الشباب الذي لا ينتمي في غالبيته إلى أي حزب، بل شباب تواق إلى العيش الكريم وإلى العزة والديمقراطية.
انطلقت المظاهرات العارمة يوم 25 يناير 2011، واستمرّت لتصل إلى قمة الهيجان يوم جمعة الغضب، أي 28 من نفس الشهر. وقد أدى ذلك إلى مشادات قوية بين رجال الأمن والمتظاهرين الذين تحدوا منع التجول وربطوا ليلهم بنهارهم في الشوارع والمواجهات، مما أدى إلى قتلى وجرحى وحرق لمؤسسات تمثل رموز السلطة، كمراكز الأمن ومقرات الحزب الحاكم، وسيارات وعربات الأجهزة الأمنية.
وبعد اليوم الرابع من المسيرات والاحتجاجات الشعبية العارمة ضد نظام الحكم في مصر، خرج الرئيس حسني مبارك على شعبه بخطاب مقتضب يعلن فيه مطالبة الحكومة بالاستقالة لأنها فشلت في مهامها، ورغبته في تعيين حكومة جديدة تعمل على تجسيد رغبات المتظاهرين. وقد تمّ ذلك في وقت تركزت فيه مطالب المتظاهرين على ضرورة مغادرة الرئيس حسني مبارك، وليس حكومته، وهو ما أدى إلى زيادة قوة الاحتجاجات والمظاهرات في الشارع المصري.
إن المتتبع للأحداث يجد أن المسيرات في القاهرة والمدن المصرية الكبرى، بينما القلق والوجع والمخاض في واشنطن، بالبيت الأبيض والبنتاغون، خوفا من نجاح الثورة وضياع هيمنتهم على السياسة المصرية. لهذا اشتغلت مخابر السياسات الأمنية والثورات في المجتمعات العربية، للبحث في انتقال السلطة في مصر إلى أيدي آمنه يمكن الوثوق بها، بحيث تستمر علاقات السلطة الجديدة قوية مع إسرائيل.
وفي نفس الاتجاه، عيّن الرئيس مبارك عمر سليمان رئيس جهاز المخابرات المصرية نائبا أول له، وعين أحمد شفيق وهو ضابط عسكري سابق أيضا رئيسا للحكومة المصرية الجديدة. وهكذا نجد أنه بعد انتصار الثورة، فإن السلطات الداخلية والجهات الخارجية متمثلة في أمريكا خاصة، تعمل على منع جني الشعب المصري لنتائج ثورته وتضحياته.
إلا أن الشعب المصري وخيرة شبابه لم يضحوا من أجل أن تستمر نفس الوجوه القديمة، واعتماد نفس السياسات الداخلية والخارجية، ويستمرّ التعامل مع إسرائيل ومحاصرة الإخوة في غزة، بل ضحوا من أجل التغيير الشامل.
لذا فإن الأنظمة الرسمية العربية، التي تواجه انتفاضات شعوبها، تضع بدائل متعددة كمخارج للنجدة تضمن من خلالها بقاءها واستمرارها ولو من الخلف، وهي بذلك تستمر في ممارساتها المتصفة بالفساد والنهب. كما أن بطانة الحكام الفاسدة تستمر في خدمة الجهات الأجنبية التي تحميهم، وتضمن لجوءهم بدولها.
لذا فإن أهم معيار لنجاح الثورات هو قلع الأنظمة المتسلطة المستبدة من جذورها، والقضاء على كل ممارساتها السياسية والاقتصادية، بما في ذلك العلاقات العسكرية التي تربطها بجهات أجنبية دعمت الأنظمة المستبدة لسنين وسكتت عن تجاوزاتها لهذا يجب التأكد من القطيعة معها، بدون ذلك يكون النجاح نسبيا.

ليست هناك تعليقات: