الجمعة، ٢٠ آب ٢٠١٠

متى يعلن اياد علاوي حكومته ؟

kolonagazza
هادي والي الظالمي
وراء طموحاته السياسية ، اندفع السيد نوري المالكي مبتعدا عن شركائه في الائتلاف العراقي الموحد الذي اوصله الى السلطة ، ليخوض انتخابات مجالس المحافظات ومن ثم الانتخابات التشريعية ، بقائمة تحت زعامته اطلق عليها اسم دولة القانون . لم يكن المالكي بحاجة الى الحذاقة السياسية ليقرأ المتغيرات الحاصلة في الوعي العام ، فرفع شعار المشروع الوطني انتخابيا بعد ان اخفقت المناهج الطائفية في ايجاد الجنات الارضية الموعودة لاتباعها وطوائفها ، وكلفت الجميع بحارا من الدم وركاما من الخراب والاحتراب ، امتدت على مساحة العراق وطالت مكوناته المختلفة .
في انتخابات مجالس المحافظات حققت قائمة رئيس الوزراء نصرا ناجزا . هذا الانتصار جعل المالكي يرفض كل المحاولات التي توسلها شركاؤه في التحالف القديم لخوض الانتخابات التشريعية معا بقائمة موحدة ، بل وذهب الى ابعد من ذلك في الوعيد بأقصاء جميع الشركاء السياسيين من خلال أقامة حكومة اغلبية سياسية تنحصر في دولة القانون دون غيرها كما كان يمني نفسه .
تحت نشوة الانتصار وهيمنة دولة القانون على اغلب مجالس المحافظات فقد المالكي قدرته على استشعار المخاطر التي تتقاذف العملية السياسية وسط حقول من الالغام المتفجرة . أخطأ المالكي عندما اعتقد انه نال بيعة ابدية ، كما اخطأ مرة اخرى وهو يظن ان خصومه السياسيين يتشاطرون الاحباط ازاء نشوة نصره الذي لم يخلو من التحايل ، بتوصيف عديد الفرقاء السياسيين .
جاءت الانتخابات البرلمانية بالمالكي ثانيا بعد رئيس الوزراء العراقي الاسبق اياد علاوي الذي استطاع ان يحصد ، من خلال مشروعه الوطني ( العراق للعراقيين جميعا ) والذي تبناه وكافح من اجله طويلا ، اصواتا بين كل المكونات العراقية . المالكي الذي فشل في تسويق نفسه كزعيم وطني ، وهو ماطرحه خلال حملته الانتخابية ، لم يجد مناصا من الهروب نحو حلفائه السابقين لتعطيل استحقاق العراقية الانتخابي ، بعد ان نجح في دفع المحكمة الاتحادية الى استصدار راي في تفسير المادة الدستورية المتعلقة بالكتلة الاكثر عددا ، والذي وضع كوابح دون تشكيل حكومة جديدة لايترأسها المالكي .
عند هذا الحد فان رئيس وزراء العراق قد اطلق العنان لنفسه في ممارسة السياسة باعتبارها ( فن الممكن ) دون اية مقيدات دستورية او معايير اخلاقية سياسية ، فالغاية لدى الرئيس تبرر كل الوسائل في خرق الدستور او ضرب الخصوم او خداع الناخب او التحايل على المواطن . وفي كل الاحوال ، فان تقديرات الرئيس للمصلحة الوطنية تقف خلف تلك الممارسات ، في الظاهر ، في حين ان نزعة المالكي الانفرادية وشهوة السلطة لديه وحزبه هي الدوافع الحقيقية وراء هذا السلوك الاستفزازي .
ومع نجاح المالكي استنادا الى انجازاته الامنية الملموسة في ايهام الادارة الامريكية لفترة طويلة بانه رجلها القوي في العراق امام النفوذ الايراني ، واقناع الايرانيين ، اخيرا ، بكونه رجلهم القادر على الوقوف بوجه علاوي ، مع استمرار الفيتو الامريكي على اي مرشح من التيار الصدري او المجلس الاعلى لرئاسة الوزراء ، فان الامريكيين والايرانيين ، المتوافقين على المالكي ، في اللحظة الراهنة ، لم يستطيعوا ارغام العراقية على تقاسم السلطة معه على حساب استحقاقها الانتخابي والدستوري ، كما لم تفلح ضغوطهم في اقناع اطراف الائتلاف الوطني على تناسي الام تجربتها المرة في الشراكة مع المالكي ، او تطمينها بضمانات تمنع تكرار ماحصل . ورغم اصرار اطراف الائتلاف الوطني على ضرورة استبدال دولة القانون لزعيم قائمتهم ومرشحهم لرئاسة الوزارة كشرط للمضي في التحالف الوطني ، الا ان هذا الشرط لايبدو مهينا لثاني اكبر كتلة برلمانية فحسب ، بل ان اقدام ائتلاف دولة القانون على تنفيذه لن يمنع الائتلاف الوطني وهو الطرف الاصغر في معادلة التحالف الهش من طرح شروط تعجيزية جديدة لاتنتهي الا بترشيح احد قياداته لرئاسة الوزارة . فالائتلاف الوطني لايختزل خلافاته مع دولة القانون بشخص المالكي ، وانما يسحبها على حزب الدعوة الذي تبنى منهجا موحدا ومدروسا لأقصاء شركائه الذين اوصلوه الى الحكم . وترى قيادات الائتلاف الوطني من ال الحكيم وال الصدر وهي زعامات تاريخية في الوسط الاجتماعي الشيعي ان حزب الدعوة يمثل خطرا حقيقيا يتهدد زعاماتها التقليدية في قيادة المؤسسة الدينية السياسية في الوسط والجنوب ، اكثر من اياد علاوي السياسي العلماني الذي لن يكون ، في كل الاحوال ، منافسا على زعامة هذه المؤسسة .
وفق تلك الرؤى التي تمثل ستراتيجيات ترتبط بمستقبل ووجود القوى الاساسية في ائتلافي دولة القانون والائتلاف الوطني لايبدو التحالف بين الائتلافين خيارا اول في حسابات اي منها ، وان ابدت هذه الاطراف حرصا مبالغا فيه على ادامة التحالف على الصعيد الاعلامي ، بغية ابعاد اللوم عنها في تأخير تشكيل الحكومة ، ومناورة الراي العام الذي لايخفي استياءه من هذا التاخير مع التردي المريع في الاوضاع الامنية ونقص الخدمات وتفشي الفساد في مؤسسات الدولة بغياب الرقابة البرلمانية ، الا ان محاولة ابتزاز العراقية للخروج بمكاسب اكبر تمثل اهم الدوافع وراء التشبث بالتحالف الوطني المعلن موته سريريا .
الخلاف بين العراقية ذات الاستحقاق الانتخابي كفائز اول وقائمة رئيس الوزراء المنتهية ولايته ، والذي تراجع عن المشروع الوطني للاحتماء بالاستحقاق الطائفي ، متهما العراقية بانها قائمة سنية ، انتهى بتعليق المفاوضات بين القائمتين الكبريين من جانب العراقية التي رات في تصريحات المالكي خطاباً طائفياً منغلقاً لا يفهم المشروع الوطني ولا يقبل به . حاول المالكي هنا الايحاء بقوة حضور الواقع الطائفي ليطرح لنفسه ممثلا سياسيا اوحد لشيعة العراق ، وهو مااثار حفيظة الائتلاف الوطني الذي يرى له الاحقية بهذا التوصيف كمكتسب تاريخي . وفي كل الاحوال ، فان الخلافات بين العراقية ودولة القانون بقدر ماتبدو حادة عندما تتقاطع عند رئاسة الحكومة ، الا ان المشتركات بينهما لاتتوافر لاي تحالف اخر الى الدرجة التي يظهر معها ان لامناص من التحالف بينهما .
ايقاف المفاوضات بين القائمتين عزز شهية الائتلاف الوطني والمجلس الاعلى تحديدا في طرح مرشح لرئاسة الحكومة . ومما يدفع المجلس للمجاهرة بهذا الطموح الذي لايتناسب مع حجمه التمثيلي في البرلمان ان التيار الصدري و في قراءة واقعية ومتأنية منه لعناصر اللعبة السياسية ، لايرى في المرحلة الحالية مايدعوه لطرح مرشح من التيار لرئاسة الحكومة .
وسط هذه التدافعات التي لم يتراجع زخمها ، كما كان متوقعا خلال شهر رمضان ، وخصوصا من الجانبين الامريكي والايراني مع الاطراف الداخلية ، يبدو ان الاكراد ، وركونا الى استحقاقهم القومي ، لايريدون الرهان على حصان بعينه ، وهم يحاولون الاحتفاظ بعلاقات متوازنة مع الجميع ، سيما وان التاخير في تشكيل الحكومة لن يكون شديد التاثير على اوضاع الاقليم الذي يتمتع بحكومة تحظى باستقرار لايتوافر لحكومة بغداد ، الا ان الورقة الكردية ، في النهاية ، ستكون حتما مع الطرف الذي ييقن الاكراد تماما انه سيشكل الحكومة القادمة .
الموقف الكردي المتأني ، والذي اقتصر على تقديم اوراق تفاوضية حتى الان ، يعود في جانب منه الى فهم القيادات الكردية الى قوة التاثير الخارجي في صناعة الحكومة القادمة ، والذي لم يسفر عن وجهه الحقيقي بانتظار مايقرره الساسة العراقيون ، في اعتماد لسياسة حافة الهاوية . كما ان الكرد وبنتيجة ماافرزته الانتخابات العامة على تخوم الاقليم لم يعودوا راغبين على المضي في سياسة المحاور في محاباة اطراف عربية على حساب اخرى .
المقاربات السابقة تدعو الى الاعتقاد بترجيح احتمالين قد لايكون لهما ثالث في تشكيل الحكومة العتيدة :
الاحتمال الاول : ان تتشكل الحكومة من تحالف العراقية وائتلاف دولة القانون اضافة الى الكتلة الكردية من خلال اقرار ائتلاف المالكي بالاستحقاق الانتخابي للعراقية مقابل حصول دولة القانون على نصيب كبير في السلطة والقرار السياسي ، على ان يكون التحالف مفتوحا امام الراغبين في الشراكة الحكومية وفق الاستحقاق الانتخابي ، وهو الاحتمال الاكثر ترجيحا ، مع ادراك المالكي وأتلافه لخطورة التمسك بمطالبهم السابقة ازاء العراقية ، مع عدم جدوى سحب ترشيح المالكي ازاء مطالب الائتلاف الوطني .
الاحتمال الثاني : وهو الابعد عن التحقق مقارنة بالاحتمال الاول ، مع شدة طرحه وتداوله هذه الايام وتسيده لمشهد الحراك السياسي ، ويتمثل في التحالف بين العراقية والائتلاف الوطني اضافة الى التحالف الكردستاني والاطراف الاخرى الراغبة في التشكيلة الحكومية ، ولايحظى هذا السيناريو بذات الرغبة الامريكية والاقليمية ، كما انه قد يصطدم بذات شروط الائتلاف الوطني امام دولة القانون ورغبته في التصدي لقيادة الحكومة .
ان الخروج عن السيناريوهين السابقين لاينتهي الا بالعودة الى التحالف الوطني كأحتمال ثالث ، وهو مستبعد بشكل كبير ، بسبب التنافس على قضية مصيرية هي اكثر اهمية من الشراكة الحكومية ، وهما يعملان بشكل جدي على اقصاء احدهما للاخر من الحياة السياسية من خلال الدخول في تحالفات اخرى يرى كلا الطرفين انها تحقق لهما على المستوى البعيد مصالح اكثر حيوية .
تفاعلات عناصر الحراك السياسي توحي باتجاه تسليم الاطراف المختلفة باستحقاق العراقية الانتخابي ، تحت دوافع مختلفة ، وهو مادفع الاخيرة الى اعادة طرح السيد اياد علاوي مرشحا وحيدا لها الى رئاسة الحكومة وبأجماع كل القوى المنضوية تحت لوائها . ويبدو الدكتور اياد علاوي رئيس الوزراء الاسبق اكثر قبولا لدى الفرقاء السياسيين والعراقيين عامة لتبنيه مشروع الوحدة الوطنية في ذروة المد الطائفي السياسي وانتهاجه خطابا تصالحيا لايستثني احدا من العراقيين الا من يستثنيه القانون .

هادي والي الظالمي

ليست هناك تعليقات: