الجمعة، ٢٠ آب ٢٠١٠

حول الوجود الفلسطيني في لبنان ...

kolonagazza
سمير حباشنة / وزير الداخلية الاردني الاسبق
(1)أرقب باهتمام وجهات نظر مختلف التيارات اللبنانية ، حول الوجود الفلسطيني وكيفية الوصول الى نقطة تلاقي " وسطي" موضوعيه ، من شأنها الحفاظ على الهوية الوطنية الفلسطينية من الضياع ، دون أنخراطهم "وطنياً وسياسياً " في المجتمعات التي أجبروا على التواجد فيها قسراً بفعل الاحتلال و سياسات التهجير التي اصابت ملايين الفلسطينين ، وبنفس الوقت الحفاظ على الهوية الوطنية العربية للبنان وصونه من اية اختلالات قد تعبث بأمنه واستقراره وبوحدة شعبه وارضه، وإضعاف دولته ومؤسساته .هذا دون ان نغفل الظروف المعيشية / الاقتصادية والاجتماعية والنفسية الصعبة التي يعيش بها الاخوة الفلسطينيون ، بأنتفاء الحد الادنى من متطلبات الحياة والبنية التحتية في اماكن تواجدهم ، بل وانتفاء الحقوق الاساسية الانسانية كالحق في العمل والتعليم والصحة والسكن ...وخلافه.
(2) والحقيقة ،عبر متابعات اراء معظم التيارات اللبنانية ان لا اختلاف بينها فيما يتعلق بالبعد الانساني للفلسطينيين في لبنان، بل والتقاء تلك التيارات على ضرورة استبدال واقع المخيمات الصعب بواقع اكثر قبول ، يخفف حدة الاغتراب ويمنح قاطني المخيمات حزمه من المزايا الانسانية ، هذا الى " ان يأتي الله امراً كان مفعولاً " ويعودون الى بلادهم . وفي هذا تفهم اخوي وأنساني من لدن اللبنانيين تجاه اخوة العروبة ، الذين هم ضحية وليسوا سبباً فيما هم فيه من حال.
(3) الا ان للحقيقة وجه آخر، على قدر عال من الأهمية ايضاً، يتمثل بوجاهة الحذر من ان تكون تلك الحقوق او المزايا "موضوع النقاش " مقدمه للتوطين النهائي في لبنان ، وبالتالي اعفاء اسرائيل من واحد من أهم استحقاقات السلام التي على "اسرائيل " الاستجابة له. الا وهو حق الفلسطينيين في العودة الى بلادهم والتعويض عليهم بما ينسجم مع الشرعية والقرارات الدولية ، والذي وان تم ذلك اي هذا " الاعفاء " فأن الصراع الدائر في المنطقة منذ نشاءة " اسرائيل " سوف يتحول عن وجهته الطبيعية كصراع عربي /اسرائيلي وفلسطيني / اسرائيلي ، ليصبح صراعاً داخل البيت العربي ، وهو هدف طالما سعت "اسرائيل " لتحقيقه في اكثر من مرحله وفي اكثر من ساحه عربية . بل ويبقى هذا الهدف هو المخرج الدائم "لاسرائيل " للهروب من متطلبات السلام .. وعلينا ان نتذكر ان البيت الفلسطيني نفسه لم يسلم من ذلك ،فنحن اليوم امام جغرافيتين وحكومتين فلسطينيتين .. حيث يمثل هذا الانقسام الذريعة الرئيسية اليوم لاسرائيل للافلات من استحقاقات السلام ، كسباً للوقت في قضم الأرض والتخطيط لتهجيرات جديدة . وعليه فأن على العرب وبالذات من لديه وجود فلسطيني كثيف ، ان لا ينساق للعواطف والهواجس السطحية ، بل وان نبتعد عن المواقف المسبقة ورؤية الامر من زوايا ضيقه ، وان نعمل على تقديم معالجات مدروسة ، تحقق الهدف الانساني لفلسطيني اللجؤ في البلدان العربية المضيفة وبالذات سوريا والاردن ولبنان "على نحو خاص" ، هذا دون إضاعة الجوهر الحقيقي للقضية الفلسطينية وتحويلها الى مجرد قضية انسانية ، وإضاعة مفهوم اللجؤ واللاجئين والمخيمات باعتبارها احدى أهم العوامل الحيوية والبراهين الدامغة التي تبقي القضية الفلسطينية مملؤه بالحياة والحركة ، بل وادامة الصراع وفق وجهته الاساسية الى ان تصبح الظروف العربية والاقليمية مواتيه لات يمارس الفلسطينيون حقهم في العودة الى بلادهم .

(4) وهنا أعرض على الاخوة اللبنانيين : وجهة نظر " حول هذا الموضوع والتي كنت قدمتها في محاضرة في جمعية الشؤون الدولية في عمان في اذار من العام الماضي .حيث ان الاردن يتشارك ولبنان في هذه المسألة بالذات ويبحث عن حل في كيفية التعامل معها .. وبالرغم ان الموضوع قد حاز على نقاش واسع في اوساط النخب الاردنيه وفي الصحافة ، الا ان ذلك النقاش لم يفضي لاية نتائج ، ولاسباب لسنا بصدد الحديث عنها!
ان ترتيب مسألة الوجود الفلسطيني في لبنان يمكن ان يكون عبر تنسيق بين الحكومه اللبنانية والسلطة الفلسطينية لغاية منح فلسطيني " لبنان " الجنسية الفلسطينية وما يتبعها من اوراق ثبوتيه مثل جواز السفر الفلسطيني وهوية الاحوال المدنية الفلسطينية ، ذلك ان جواز السفر الفلسطيني قد تم الاعتراف به من الكثير من الدول العربية والاسلامية وبعض الدول الأوروبيه .أن تجنيس الفلسطينيين في لبنان بجنسية بلادهم يقطع الشك من اليقين، من ان الوجود الفلسطيني في لبنان هو وجود مؤقت وان اية امتيازات وحقوق مدنيه قد تمنح للفلسطينيين انما هي مؤقتة ايضاً وفي سياق انساني ولا يحمل اية ابعاد سياسية .وهو اجراء تطميني لازالة هواجس من يعتقد بأن في ذلك مقدمه لتوطين .وفي حال تظافرات الجهود العربية فأن مساحة الاعتراف بالجنسية الفلسطينية وجواز السفر الفلسطيني سوف تغطي اغلب دول العالم . واعتقد ان هذا الامر متاح الأن اميركياً واوروبياً ، خصوصاً بعد الاعلان في واشنطن وباريس ان الولايات المتحدة الاميركية وفرنسا هما بصدد تحويل الممثليات الفلسطينية لديها الى سفارات بكامل الصفة الدبلوماسية ، اي ان ذلك يعني الاعتراف بالوثائق الشخصيه التي تصدرها تلك الممثليات .وفي ضؤ ما سبق اي تحديد الوضع القانوني لفلسطني لبنان بما لا يدع مجالاً للبس ، تقوم الحكومة اللبنانية بوضع الترتيبات التي تراها مناسبة من حيث منحهم اقامه شبيه بتلك الاقامة التي تمنح للرعايا العرب ، مع الأخذ بعين الاعتبار خصوصية الوضع الفلسطيني ، من حيث العمل /والتمللك بما لا يتعارض مع مصالح الدولة اللبنانية ومواطنيها . وهنا يأتي دور العرب على تأسيس صندوق يعمل على تحسين اوضاع المخيمات الفلسطينية من بنى تحتية/مدارس /مستوصفات صحية /وماء /وكهرباء /وطرق /وصرف صحي ..الخ عبر بوابة " الانروا " التي تحاول اسرائيل تضيق الخناق عليها مقدمه للأنهائها ، لان وجود "الانروا " شاهد دولي على حجم المأساة التي خلقها وجود "اسرائيل " للشعب الفلسطيني .. بل وان " الانروا " هي واحدة من تعبير المجتمع الدولي عن اهتمامه بالقضية الفلسطينية عبر بوابة حقوق اللأجيئين بالعودة الى بلادهم .
(5)وبعد : ان من المناسب التذكير بعد جواز تحمل لبنان وحده او الاردن او اي بلد عربي وحدة تبعات القضية الفلسطينية ، فهي قضيه عربيه بامتياز ، وليس بالقول المجرد الذي يقال في المناسبات لمحاكاة الاعلام او حصد الشعبية ، انما هو مسؤولية قومية واخلاقية وتاريخيه على العرب جميعاً تحملها وتحمل استحقاقاتها المرحلية والبعيدة ، وان وضع الاشقاء الفلسطينيين في الدول المضيفة هو جزء بسيط من تلك المسؤوليات .ومع ذلك وحتى يبقى الاخوة في لبنان في الجانب الآمن ، فأن من الافضل ان يطرح الامر على اول قمة عربيه ،ليقوم كل بدوره .. فلا يجوز ان يتحمل لبنان المسؤولية وحده .



ليست هناك تعليقات: