الأحد، ١٢ شباط ٢٠١٢

رسالة مفتوحة إلى الرأي العام الوطني بقلم د سالم لبيض



kolonagazza

الناصر خشيني نابل
Naceur.khechini@gmail.com

والى السادة رئيس الدولة ورئيس الحكومة ورئيس المجلس الوطني التأسيسي وكافة أعضائهوإلى النقابة الوطنية للصحفيين والاتحاد العام التونسي للشغل والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان وإلى كافة الأحزاب الوطنية...تقبلت باستغراب شديد اعتذار مؤسسة التلفزة الوطنية عن مشاركتي في برنامج ما وراء الحدث الذي بثته القناة الوطنية الثانية في سهرة الخميس 9/2/2012 بمشاركة السيد الباجي قائد السبسي والسادة رياض الشعيبي عضو المكتب السياسي لحركة النهضة،وأحمد نجيب الشابي مؤسس الحزب الديمقراطي التقدمي، وأحمد بلغيث محلل سياسي، ونور الدين بن تيشة محلل سياسي، وذلك بعد أن اقترحت علي مؤسسة التلفزة نفسها المشاركة في البرنامج المذكور وأكدتُ لها موافقتي، وطبقا لذلك نُشر الخبر في أغلب الصحف الورقية والإلكترونية وتحدثت عنه الإذاعات وخصصت له التلفزة الوطنية ومضات إشهارية.وإذ يؤسفني الإقصاء الذي تعرضت إليه يستوجب علي توضيح ما يلي:1- لقد أصبح القاصي والداني يعلم بعد النقاش الذي تم في البرنامج المذكور وبعد أن أثار السيد ممثل حركة النهضة مشكورا تلك العملية الإقصائية الفجة واللاأخلاقية مما ترتّب عليه جدل ونقاش، أن عملية الإقصاء قد تمت من قبل السيد الباجي قائد السبسي نفسه وأنه على عكس ما ادعاه من عدم معرفته بي نشرت الصحف قائمة المشاركين في البرنامج قبل ذلك بيوم وبيومين ولا أظن أن رجل سياسة محترف مثله لا يطلّع على الصحف وعلى ما ينشر فيها ولا يستمع إلى الإذاعات ولا يشاهد التلفزيونات لاسيما إذا تعلق الأمر به شخصيا، وحتى وإن غفل عن ذلك فمن المحال أن تغفل حاشيته التي تدور في فلكه والتي جرّته إلى مبادرته وبيانه موضوع النقاش في تلك الحصة. فالباجي قائد السبسي وباعترافه على إحدى القنوات كان يرصد ردود الأفعال تجاه مبادرته لينظر في الخطوة القادمة ومن تلك الردود موقفي الذي نشرته جريدة الشروق بتاريخ 27/1/2012 أي بعد يوم واحد من إصدار البيان، والذي جاء فيه:" إنّ الوزير الأول السابق الباجي قائد السبسي سعى من خلال مبادرته إلى «تمثّل الشخصية البورقيبية بقوة إلى درجة أنّه يحاول أن يتماهى مع فكرة الزعيم التي تأثر بها كثيرا في ظل عمله طويلا مع بورقيبة، وهو من هذا المنطلق يستبطن بعض خصائص الزعامة وربما يعتقد أنّ الفرصة باتت سانحة لتقلد مثل هذا الدور.واعتبر لبيض أنّ قائد السبسي يرى في نفسه الرجل الصالح لكل الأزمان، فهو كان يفتخر باشتغاله مع الباي ومع بورقيبة وربما مع بن علي والآن في ظل الثورة، وقد اعتقد أنّ الخبرة التي اكتسبها في تسيير الدولة تصلح في مهام قيادة الثورة، ولكنه يريد أن يقود ثورة لم يشارك فيها ولم يقدها ولم يقدّم التضحيات من أجلها بل إن هذه الثورة هي إيقاف لنظام استبدادي انتهى بتونس إلى حطام اقتصادي وإلى دكتاتورية سياسية وإلى أزمة اجتماعية شاملة وإلى تفسّخ في الشخصية أنتج التطرّف بنوعيْه، وبالتالي فإنّ الثورة أسقطت نظاما هو أحد مهندسيه، ولا أفهم هذه الوصاية التي وردت في بيان قائد السبسي إلّا ضمن التربية البورقيبية التي تلقاها والتي لا تنفصل فيها البلاد والشعب عن ذات الزعيم، وإلّا فلا مبرّر للتدخّل في مهام مجلس منتخب انتخابا ديمقراطيا مباشرا يُمثّل الشعب وهو حسب الأعراف المتداولة في الثورات سيد نفسه والسلطة الأعلى ولا سلطة لسواه".كما لا أظن أن السيد الباجي قائد السبسي والسادة المحيطين به ممن اشتغلوا معه في الوزارة في الفترة الانتقالية كانوا غافلين عن جريدة الحصاد الأسبوعي التي أنتمي إلى هيئة تحريرها الاستشارية، وعن الملفات التي فتحتها حول الباجي قائد السبسي نفسه وعودة البايات الجدد إلى السلطة على أرضية الانتماء إلى السلالة البلْدية ومن والاها، بما في ذلك مقالي حول "الحكم للتونزواز وحدهم"، بعد أن وجدوا في ثورة شباب تونس مدخلا لذلك. إن السيد السبسي وأعوانه متمرسون بالإدارة ويعرفون أن مسؤولي الدولة يصلهم ملف إعلامي يوميا يوضع على مكاتبهم منتقى من مختلف الصحف الصادرة يومها. وإذا غفلوا عن الحصاد لا أظنهم يغفلون عن المساهمات التي كنت ولا أزال أدلي بها في الصحف الكبرى مثل الشروق والصباح وغيرها التي تكاد تكون يومية ولعل آخرها كان في اليوم نفسه الذي برمجت فيه الحصة التلفزية حيث نشرت الشروق ملفا عن الإعدام وتحدثْت فيه عن الإعدام السياسي في تونس الذي شمل أكثر من 90 شخص من العائلة القومية العروبية إبان الحكم البورقيبي الذي يفتخر السيد الوزير الأول السابق بالانتماء إليه والدفاع عنه واعتماده كنموذج. وإذا غفلوا عن كل ذلك فلا أظنهم يغفلون عن المداخلات العديدة التي قمت بها على قنوات فضائية عديدة منذ انطلاقة الثورة وإلى اليوم. فرب عذر أقبح من ذنب يا سيادة الوزير الأول السابق وأنت الذي تتحدث دائما عن "الصدق في القول والإخلاص في العمل" وكان الأجدى بك وأنت تقدم مبادرة للرأي العام لكي تنقذ البلاد كما تقول في بيانك أن يتسع صدرك لرأي مخالف يعبر عنه جامعي وأكاديمي لكنك بدل ذلك تماديت في الخطإ وأنكرت معرفتك به وعدم علمك بالمشاركين والحال أن الموقف الأسلم هو الاعتراف بهذا الإقصاء والاعتذار عليه ولعمري إن ذلك كان سيمنحك مصداقية أكبر في عيون المشاهدين الذين أدركوا ومن خلال الجدل الواسع الذي دار على صفحات الشبكات الاجتماعية أن حضورك كان مشروطا بغيابي رغم أنهم لم يعيشوا كواليس المفاوضات التي جرت معك حول هذا الموضوع والتي باتت معروفة الآن.2- سأفترض أيها السيد الوزير الأول السابق أنك لا تعرفني ولكني أجيبك بأني أعرفك جيدا لأني مهتم ودارس للفترة البورقيبية منذ 20سنة خلت وقد نَشرت كتابات عدة في الموضوع. أعرفك جيدا لأنك كنت مديرا عاما للأمن الوطني ما بين بداية جانفي 1963 وجويلية 1965 وفي تلك الفترة عرفت تونس إعدام ثوار اليوسفية المعروفين بانقلاب 1962 في 25 جانفي 1963 وتعذيب المسجونين منهم. أعرفك جيدا لأنك كنت وزير الداخلية ما بين 1965 و1969 وفي تلك الفترة عرفت تونس موجة كبرى من الاعتقالات والمحاكمات السياسية لمختلف فصائل اليسار الماركسي وكذلك القوميين ولنشطاء الحركة الطلابية على خلفية أحداث جوان 1967 التي سُجن فيها الطالب بن جنات الذي أصبح أحد أعلام الحركة الطلابية، ولكنه رغم نضاله ترك الساحة لمن هم من أمثالك من ذوي الشهرة والنفوذ، أعرفك جيدا لأنك اشتغلت وزيرا للخارجية ما بين 1981 و1985 وشهدت تلك الفترة تزوير انتخابات 1981 من قبل الحكومة التي تنتمي إليها والقمع الواسع والقتل الممنهج للشرائح الشعبية المنتفضة في جانفي 1984 من أجل حقها في الخبز الكريم. أعرفك جيدا لأنك كنت في سنة 1987 سفيرا لحكومة مارست كل صنوف القمع على الطلاب وقد كنت حينها أنا في رجيم معتوق ضمن الطلبة المجندين. أعرفك لأنك كنت برلمانيا في برلمان حكومة بن علي ما بين 1989 و1994 بل ورئيسا لذلك البرلمان المزوّر للقوانين، في حين كنت أنا وأمثالي من المطرودين من التعليم الثانوي من قبل تلك الحكومة على خلفية مواقف نقابية وسياسية. أعرفك لأنك غبت عن المشهد السياسي وبت تكتب مذكراتك التي نشرتها في كتابك سنة 2009 حول بورقيبة ولم تظهر إلا في بعض جلسات الذاكرة في مؤسسة التميمي. أعرفك لأنك لم تكتب مقالا واحدا أو تدلي بتصريح واحد ضد حكم بن علي المافيوي. أعرفك ولكن شباب الثورة الذين أسقطوا حكومة الغنوشي الثانية يوم 25 فيفري من السنة المنصرمة لا يعرفونك، لذلك سمحوا لك بتولي أمرهم فشكّلت المشهد السياسي والقانوني والتشريعي والإداري بما يضمن لك البقاء في السلطة أو تسليمها لمواليك ممن وضعتهم في الهيئات والمناصب المختلفة إبان حكمك الانتقالي ولكن السحر انقلب على الساحر. أعرفك وأعرف عنك الكثير وعن تجاربك في الحكم خلال النصف قرن المنقضي وقد لا يتسع الأمر لذكره وستكون له منابر أخرى. أعرفك وأعرف بأن انخراطك في الدفاع عن قناة نسمة تم تسويغه باسم حرية الرأي والتعبير لكنه لم يكن مبدئيا وإلا كيف تتورط أيها السيد الوزير الأول في هذا التناقض الصارخ وترفض مشاركة جامعيّ في منبر تلفزيّ لمجرد أنه يخالفك الرأي. أعرفك وأعرف أن طموحاتك السياسية وتاريخ عائلتك في ممارسة السلطة لاسيما إلى جانب بايات فرنسا في ظل استعمار تونس غير متناهية، لذلك تجد نفسك تمارس نوعا من الوصاية لم ينج منها حتى المجلس التأسيسي الذي يمثل الشعب ولكن الزمن غير الزمن ولكل دولة رجالها كما يقال.3- الواقع أن موقف السيد نجيب الشابي قد فاجأني فهو لا يختلف عن موقف السبسي في نكران معرفته بحيثيات البرنامج والحال أن كافة التفاصيل منشورة في الصحافة ولا أخال الأستاذ الشابي لا يطلع على ما ينشر وكان الأولى به أن يندد باسمه وباسم حزبه بهذه الممارسات البالية الموروثة من عهود الاستبداد والدكتاتورية.4- إن تسويغ إدارة مؤسسة التلفزة لذلك الإقصاء الذي بات يشكل فضيحة لدى الرأي العام بأسباب تقنية لا يمثل اعتداء على ذكاء المواطنين واستهبلاها لهم فقط وإنما يعيد إنتاج التبريرات البالية في تزوير الحقائق التي كان يستخدمها بن علي وأجهزته الدعائية وليس الإعلامية ناهيك أن الجميع يعرفون أن مقرّ التلفزة الوطنية اقرب إلى أن يكون قلعة من قلاع القرن السابع عشر ويمكنه أن يتسع لمئات الفضائيات.5- إن القضية لا تتعلق بشخصي البتة وإنما تتعلق بثلاث مسائل رئيسية: الأولى هي محاكمة الرأي ومصادرته ومنعه على خلفية الاختلاف في الأفكار والأيديولوجيات والمواقف، والثانية هي الازدواجية المقيتة في التعامل مع القضايا المبدئية والأمثلة على ذلك كثيرة وسنرى إذا كان الصحافيون ومختلف وسائل الإعلام ستحتج على هذا الفعل الإقصائي الشنيع كما فعلت وهي تجند الكثير من قواها ومن النشطين السياسيين والمدنيين دفاعا عن تدخل الحكومة في الشأن الإعلامي من خلال اعتصام القصبة والتجييش البشري والإعلامي في قضية نسمة وفي قضية كريشان والرديسي، وثالثا وهو الأخطر لا يزال يوجد في هذا البلد من هو نافذ وفوق القانون وإلا كيف نبرر فرض السيد السبسي شروطه في إقصائي من الحصة لكي يشارك هو أو إبطال الحلقة الحوارية برمتها.6- إن صفتي كأكاديمي وكجامعي وكمتخصص في علم الاجتماع السياسي وهو الاختصاص النادر في الجامعة التونسية تملي علي التنديد بهذا الإجراء الذي يمس كافة الجامعيين لاسيما السوسيولوجيين الذين يفترض أن يكونوا في أغلب المنابر الحوارية لما تتضمنه من مناقشات هي في صميم اختصاصهم كما هو معمول به في الأوطان التي تحترم الجامعة وجامعييها وتشركهم في نقاش قضايا الشأن العام، وهو فعل لا يخلو من إقصاء للجامعة كمركز تفكير حول مختلف قضايا المجتمع.7- إن خطورة الموقف تتمثل كذلك في مصادرة طرف أصيل في هذا البلد وهو التيار العروبي الإسلامي الذي لطالما دافعت عنه وكتبت المقالات والكتب حوله منذ 20 سنة خلت وكلها منشورة ومعلومة لعل أبرزها كتابي "الهوية :الإسلام العروبة التونسة" المنشور بمركز دراسات الوحدة العربية ببيروت، ويبدو لي أن هناك فيتو في المؤسسة الإعلامية على هذا التيار القومي والعروبي بشكل عام رغم نضالاته وتضحياته التي يعرفها السيد السبسي جيدا، وعملية الإقصاء تندرج ضمن هذا التوجه.8- إن ما جرى هو إهانة للأحزاب السياسية والمنظمات الحقوقية والنقابية المشتغلة بالشأن العام فالأمر يتعلق بقضية رأي عام هي مجال تدخل قوى المجمع المدني والسياسي وإن البقاء في موقع الفرجة لا يؤسس إلا لاحتكار المشهد الإعلامي من قبل قلة قليلة من قوى الثورة المضادة تسللت إلى هذا القطاع الحيوي والجماهيري واحتكرته أيما احتكار وقد آن الأوان لإثارة المسألة الإعلامية كقضية وطنية كبرى تستدعي المراجعة والحل.9- إني أدعوا إلى فتح تحقيق جدي ونزيه ومساءلة الإدارة العامة للتلفزة الوطنية حول هذا الموقف المخزي والمهين لأبناء شعبنا الذين كانوا ينتظرون البرنامج بجميع مشاركيه الذين أُعلن عنهم في تلك الليلة، ومن يشك في ذلك عليه أن يتصفح موقعي على الفايس بوك وسيكتشف الحقيقة بنفسه، وهو موقف مع الأسف متأت من قبل مؤسسة ممولة من قبل دافعي الضرائب.

ليست هناك تعليقات: