الأحد، ٣٠ كانون الثاني ٢٠١١

وثائق الجزيرة..فضح المكشوف!

kolonagazza
سلامة معروف
على مدار أربعة أيام وعبر حملة عنوانها "كشف المستور" نشرت فضائية الجزيرة، وثائق مسربة حول المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية، مصنفة تلك الوثائق لعناوين شملت قضايا القدس واللاجئين والتنسيق الأمني والحرب على غزة، وفور بدء نشر الوثائق وعلى الرغم من توقيتها الذي صاحب العديد من الأحداث الهامة الجارية في المنطقة، من الثورة في تونس إلى تغيير الحكومة في لبنان، وبدء موجة الاحتجاج ومظاهرات الغضب في مصر واليمن والأردن، إلا أن الاهتمام بدا واضحا وتباينت ردود الأفعال على مختلف المستويات المحلية والإقليمية والدولية، وهو تباين ينبع أساسا من مواقف تلك الأطراف من السلطة ونهجها التفاوضي المنسجم إلى حد ما مع الحالة العربية الرسمية، كما ينبع من الحفاظ على المصالح التي قد يشكل اطلاع الرأي العام على تلك الوثائق تهديدا مباشرا لها، في ظل حالة محتقنة أصلا.
فلسطينيا يجب النظر إلى الموضوع من زاويتين: الأولى طبيعة هذه الوثائق وهل شكلت مفاجئة من حيث مضمونها، وطريقة تناول الجزيرة إعلاميا لها، والثاني تعامل ورد فعل السلطة على هذه الوثائق وموقفها المرتبك منها.
في الزاوية الأولى يجب الإقرار مبدئيا أنه من حق الجزيرة أن تنشر الوثائق وفي أي وقت تريد، بل ومن الواجب عليها أن تمنح الرأي العام الحق في المعرفة والمعلومة، وإن كنت أرى أن الوثائق لم تأت بجديد أو أنها كشفت مستورا كما قالت القناة، بل أن كل ما بثته من محاضر واجتماعات ومواقف يعلمها الشعب الفلسطيني علما يقينا، لأنه ببساطة من يدفع ضريبتها على الأرض بشكل مباشر، فهو الذي يدفع دمه ثمنا للتنسيق الأمني، وهو الذي يرى القدس تهود والاستيطان يأكل الأرض، وهو الذي يعلم المواقف المعلنة المخزية للمفاوض بحق اللاجئين في جنيف وغيرها، وهو الذي يعلم من تواطأ على غزة في فرض الحصار والحرب، لذلك هذه الوثائق لم تفاجئ الشعب الفلسطيني على الأقل.
ومن الناحية المهنية فالجزيرة لم تخطئ أبدا، واتهام البعض لها بأن هذه الحملة الإعلامية تشتم منها رائحة التوظيف والاستخدام السياسي، وأن اتخاذ قرار نشر الوثائق اكبر من الجزيرة بكثير، بل وربما اكبر من قطر التي تحتضنها، كل هذه تبريرات واهية ومحاولات تشكيك لا ترقى لدرجة الموضوعية والدرجة العالية من المهنية التي تعاملت معها القناة خلال حملتها، حيث أن دراسة هذه الوثائق وفحصها تم من خلال عدد من الباحثين والمختصين المشهود لهم بالدراية والخبرة وفوق هذا الانتماء، كما فتحت الجزيرة الباب مشرعا لرموز السلطة والتفاوض للرد على ما ورد في وثائقها وتفنيدها واستضافت العديد منهم، ونقلت مؤتمراتهم الصحفية للرد عليها، لذا لا يمكن أن تتهم بما لم تمارسه، وإن كان من انحياز قامت به فهو الانحياز لحق الجمهور في المعرفة، وإن تخلت عن حياديتها فلمصلحة قضايا أمتها التي لا يجب عليها أن تنسلخ عنها.
وفي الزاوية الأخرى بدا حجم الارتباك والمفاجئة في موقف السلطة منذ بدء نشر هذه الوثائق التي أصابت قيادة رام الله بالهوس والاختلال وهو ما عكسته التصريحات المتضاربة، والمواقف المتناقضة بين رموزها، ووضح تضارب روايات السلطة للعيان وترنحها تحت الضربات المتتالية لهذه الوثائق، وظهر الناطقون بلسان فتح والسلطة "متفاجئون" من الحملة وفقدوا القدرة على التعبير، وهو ما يشكل دليل إدانة بحقها، فبينما نفى البعض صحة هذه الوثائق خرجت مستويات بارزة لتؤكدها، وآخر يتهم الجزيرة بالتحريف والتزييف وإخراج الحديث عن مضامينه وسياقه الذي قيلت فيه، واصفا إياه بالدردشات التي لا ينبني عليها مواقف أو التزامات، وثالث يلمح إلى توقيت مشبوه لنشر هذه الوثائق باعتباره مسعى واضح لإجهاض الجهود المزمع القيام بها في مجلس الأمن والأمم المتحدة لإعلان الدولة الفلسطينية، ومحاولة لاغتيال جهود السلطة في توفير الاعتراف الدولي بالدولة العتيدة المرتقبة، وآخر تطوع بنفي وجود تنسيق أمني بين السلطة والاحتلال، في الوقت الذي يعلم فيه كل طفل في فلسطين أن هناك تنسيقا أمنيا منذ توقيع اتفاق أوسلو.
في كل الأحوال ابتعدت السلطة تماما عن السؤال الذي يجب طرحه بعد نشر الوثائق، فالسؤال لا يجب أن يكون، لماذا الآن؟ هل الوثائق صحيحة؟ من سرب الوثائق؟ وغيرها من الأسئلة التي لا معنى لها، ولكن السؤال الذي يجب أن تسأله فتح والسلطة لنفسها الآن وفورا، إلى متى سنظل نلهث خلف مفاوضات فقدت قيمتها؟ إلى متى سنبقى بعيدين عن تطلعات الشعب؟ متى سينتهي عهد المصلحة الشخصية والذاتية في التعاطي مع القضايا الوطني؟ فإما أن تعيد السلطة حساباتها وتجيب عن هذه الأسئلة، أو تعد نفسها ليوم قريب يسائلها فيه الشعب.
وإذا نجحت فذلكة صائب عريقات أو ياسر عبد ربه في لي عنق الحقيقة وإيجاد مبررات لبعض ما ورد في الوثائق قد يقتنع بها بعض الذين يرفضون قراءة الواقع بواقعية، فان الشواهد على الأرض أسطع وأصدق وأعظم من أن تدحض من قبل البعض مهما بلغت به السفسطائية والجدال.
ولهذا أقول أن الجزيرة –عبر وثائقها الأخيرة- لم تكشف مستورا، وإنما فضحت ما كان مكشوفا من ممارسات لسلطة رام الله على الأرض، عكستها مواقف مفاوضيها في غرف التفاوض المغلقة.

ليست هناك تعليقات: