المبادرة الوطنية الأردنية
آب 2010
تدل مؤشرات كثيرة على إنه كلما تعمق الحوار حول الانتخابات النيابية كلما اتسعت دائرة المقاطعين بين صفوف شعبنا، وكلما تعمق الوعي بأن المقاطعة يجب أن تأتي في سياق منهجية بهدف التغيير وليس الاحتجاج، أي مقاطعة من أجل تلبية شروط إحداث التراكم المطلوب من أجل تغيير هذا الواقع المأزوم.
الحوار بدأ يأخذ منحاً واقعيا وموضوعيا، ليدور حول اعتبار المقاطعة آلية تخدم قانون التراكم، ولها مردود نضالي تراكمي يفعل فعله على الأرض في معركة كسر التبعية، بينما المشاركة تخدم تراكم لصالح نهج مجموعة التبعية الحاكمة، في إستمرار تمرير نهج قاد البلاد إلى الأزمة المعاشة.
وأخذ الحوار بعدا جديداً يدور حول شروط وآليات إنجاح المقاطعة من خلال الإجابة على مجموعة من أسئلة تأتي في هذا السياق:
هل الانتخابات النيابية فرصة سانحة لتحرير الإرادة الشعبية أولاً، واستعادة الشرعية الأخلاقية، والكرامة الشخصية والوطنية ثانيا؟ وصولا الى "المبادرة الجماهيرية التاريخية".
وهل الانتخابات تشكل فرصة يمكن الانطلاق منها في مسيرة جعل هذه الاهداف قابلة للتحقق؟.
وهل يمكن القبول بكون شرط بذل الجهد القائم على توعية وتنوير الشارع وتنمية إيمانه وثقته بإمكاناته وطاقاته الهائلة الكامنة القابلة للتفجير هي القاعدة المادية التي يمكن الاستناد اليها لتحقيق الاهداف اعلاه؟.
الجواب نعم على ضوء تجارب حقيقية حدثت على أرض الواقع، وهنا في الأردن تحديداً. فحالما قرر الشعب الأردني في خمسينات القرن الماضي رفض الاحلاف الاستعمارية، وإسقاط حلف بغداد، ضمن قواه الذاتية وقدراته المحدودة في ذلك الوقت، والتي لا تقارن بما نملك اليوم، وحيث تمكن على الفعل الإيجابي في الشارع النضالي، تمكن من إسقاط معاهدة الانتداب البريطاني وتعريب الجيش. بالرغم من ملاحظة في غاية الاهمية، حيث لا يزال جدل قائم بين النخب الأردنية، وهي "من استغل من لتمرير مشروعه"؟ هل استغل التحالف الحاكم في ذلك الوقت، البرلمان والضباط الاحرار والاحزاب التقدمية، لصالح الانتقال من الحضن البريطاني الى الحضن الأمريكي، أم إن الحركة الوطنية هي التي استثمرت هذه الحالة الانتقالية لإنجاز مهماتها ومطالبها المتمثل بتعريب الجيش وإنهاء الانتداب.
حيث عززت هذه الوقائع والأحداث بالملموس أن الأردن كان وما زال يشكل العقدة الجيوسياسية الأهم والأخطر في المنطقة.
أليس هذه "حالة دراسية" تستوجبت استخلاص العبر في سياق مجموعة من العناوين.
العنوان الأول: للصراع قوانين علمية يجب احترامها، والعنوان الثاني: أن إدارة الصراع تحتاج إلى عنصر الذكاء والابتكار، والعنصر الثالث: هو الشجاعة والاقدام في اللحظة التاريخية المحددة.
مخطىء من لم يأخذ بنظر الاعتبار هذه الدروس التاريخية واستحضارها حال مناقشة ودراسة إتخاذ قرار المشاركة أم المقاطعة أو إعادة النظر في قرار المشاركة في هذه العملية الانتخابية. وهذه العناوين هي معطيات يمكن الحوار حولها بين المعنين من قوى اجتماعية وشخصيات عامة يجب أن تؤخذ بنظر الاعتبار في تحديد الموقف من الانتخابات :
المعطى الأول: طرفي الصراع في هذه المعركة هما الشعب بعظمته من جانب ومجموعة التبعية الصغيرة والمعزولة من جانب آخر. أليس هناك قناعة بأن قوة الشعب وبكل المقايس، أعظم آلف مرة من قوة مجموعة التبعية الصغيرة والمعزولة، والتي تتحكم بالقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وتسخّره لمصالحها الخاصة ومصالح مركز رأسالمال العالمي سيدها، من خلال بيع الثروات الطبيعية ومقدرات المجتمع من شركات ومؤسسات وطنية وتسليع أراضية وكفاءاته.
وهل هناك من خلاف بكون قوة الشعب تكمن في وحدته، وأن متطلب هذه الوحدة هو في الأساس رفض نهج تفتيت المجتمع على أسس: إقليمية وجهوية وطائفية وعشائرية. وضمان وحدة الشعب من خلال تحقيق الاستقلال الناجز، وتحرير الثروات الطبيعية والإرادة السياسية، والانتقال بالدولة والمجتمع الى الانتاج الوطني، فهل هذه شروط متفق عليها؟ أم لا.
هل هناك من خلاف على أن تفعيل قوة الشعب تكمن في تحشيد واستثمار الطاقات الشعبية الكامنة بشكل واع ومنظم؟ وأن تفعيل هذه الطاقات كفيل بفرض المطالب الحقيقية للشعب، ليس فقط المطالب في الشكل (قانون الانتخاب وضمان نزاهة الانتخابات)، بل واساساً المطالب الجوهرية في المضمون، والمتمثلة في: استعادة مجلس النواب صلاحياته الدستورية وتطويرها، وتحقيق فصل السلطات، وإعادة الاعتبار إلى مبدأ "الشعب مصدر السلطات".
فإذا تم القبول بها مطالب واقعية وحقيقية، يصبح السؤال، ما المطلوب عمله من أجل تحرير الإرادة الشعبية من سطوة ثقافة التساوق مع والاستسلام لإرادة مجموعة التبعية، والتحرر من سطوة ثقافة الانبطاح "ما بيد حيلة، ولا نستطيع عمل شيء، جربنا وانخرب بيتنا...الخ" هذه الثقافة التي سهلت حدوث الأزمة الخانقة التي نعيشها اليوم في ظل غياب المساءلة والمحاسبة، والتي شملت الجميع، بمن فيهم الذين يعتقدون بأنهم سينجون، إذا ما وضعوا رؤؤسهم في الرمال. فالاستمرار في هذا النهج سوف يعمق الأزمة في الغد وصولا إلى اختناق المجتمع ككل.
المعطى الثاني: أن مركز رأسالمال العالمي ومجموعة التبعية، ومن خلال صناعة الرأي العام، تعمل بكل قوة على تزييف وعي الناس في هذا الظرف بالذات، بهدف منع حدوث أي تغيير في موازين القوى السائدة بين السلطة التنفذية والسلطة التشريعية في الأردن، وذلك لأن المشروع الذي يلبي مصالح مراكز رأسالمال العالمي، والمعلن من قبلهم، هو مشروع الشرق الأوسط الجديد/الكبير على صعيد المنطقة، ومشروع كونفدرالية الأراضي المقدسة على الصعيد الأردني –الفلسطيني- والكيان الصهيوني، بالإضافة إلى مشروع اللامركزية، وهما مشروعان برسم التصديق من قبل المجلس القادم، يخدمان هدفين في آن واحد، تصفية القضية الفلسطينية من جهة، ووضع الأردن تحت هيمنة الكيان الصهيوني من جهة أخرى.
الجميع يلمس الأزدراء والاستهانة والاستخفاف التي يتعامل بها الكيان الصهيوني مع الأردن شعباً ووطناً. ففي كل مناسبة تصدر تصريحات عن مسؤولين اسرائليين وغربيين كبار حول الأردن تنضح عنصرية، حيث تعبر التصريحات عن الفكر الصهيوني الذي يعتبر أن الأردن بقعة جغرافية تحت انتدابه، وأن الشعب الأردني مجموعة من البشر من الدرجة الثانية تحت وصايته، فكيف سيصبح الحال بعد قيام هذه الكونفدرالية؟.
ألا يجب أن تؤخذ هذه المؤشرات بنظر الاعتبار في معادلة الانتخابات من أجل إعادة التوازن بين السلطات، كمقدمة لبناء عناصر المناعة لدى الدولة والمجتمع الأردني.
كيف يجب الاستفادة من دروس واستخلاصات التجربة المعاشة والسابقة، الايجابي والسلبي، الانجاز والاخفاق، وهل يجب أن تأخذ الظروف المحيطة بنظر الاعتبار؟ الجواب نعم يجب.
وهناك معطيات يجب أن تؤخذ بنظر الاعتبار في هذا السياق:
· المشروع الصهيو-أمريكي في حالة انكسار على صعيد المنطقة وعلى الصعيد العالمي، حيث تعيش امريكا أزمة عامة اقتصادية واجتماعية وسياسية، تتعمق يوما بعد يوم، وهناك تكهونات، من مراكز ابحاث متزنة، تحذر من إمكانية أن تقود هذه الأزمة إلى انهيارها. وعلى صعيد المنطقة حققت المقاومة اللبنانية انتصارها العظيم على الكيان الصهيوني عام 2006، والمقاومة الفلسطينة تصمد وتتصدى للعدوان الصهيوني على غزة، وفعل المقاومة العراقية التي عرقلت المشروع الأمريكي، وصمدت قوى الممانعة، سوريا وأيران، وحققتا انجازات هامة، وعلى رأسها الأعتراف بهما قوى أقليمية مقررة. وحيث مشروع الشرق الاوسط الكبير/ الجديد في حالة انحسار، فأن إمكانية منع مشروع كونفدرالية الأراضي المقدسة من التحقق تصبح ممكنة، إذا ما تم على الصعيد الأردني، أن خوض معركة مقاطعة الانتخابات تهدف الى: استعادة السلطة التشريعية صلاحياتها، وفصل السلطات، والعودة لمبدأ الشعب مصدر السلطات، وحشد طاقات الشعب، هي مقدمة لبناء المشروع النهضوي الذي يحقق المناعة للدولة والمجتمع، فهل هي معركة تستحق الخوض؟ وعلى الصعيد الفلسطيني من خلال العودة الى مهمات مرحلة التحرر الوطني، سمة المرحلة التي يعيشها الشعب الفلسطيني، واستعادة وحدته، ووحدة تمثيليه، وتنمية هويتة الموحدة، ومنع تفتتها، وتعميق مسار المقاومة، وتوحيد النضال الأردني والفلسطيني على أرضية مهمات مرحلة التحرر الوطني للشعبين الفلسطيني والأردني.
· الأنتماء للأردن (دولة وشعب) يترجم على أرض الواقع، عبر العمل على بناء شروط صمود الأردن (وحدة الشعب، وتحرير إرادته) أمام المخططات المعادية، وعلى رأسها مشروع "كونفدرالية الأراضي المقدسة" بدءاً برفض مشروع "اللامركزية" الذي يقود إلى تفكيك الدولة، بالرغم من كل المبررات الزائفة، حول توسيع مشاركة الشعب، وتعميم التنمية. فالتنمية لدولة نامية كالأردن أول ما تتطلبه مركزية التخطيط ومركزية إتخاذ القرار. وتحديد مفهوم الأنتماء، بكونه انتماء للدولة كوطن وشعب، وعلى الضد تماما من مفهوم الولاء للسلطة التي تقودها مجموعة التبعية.
· التناقض الحقيقي والرئيسي في هذه المعركة الانتخابية، هو بين الإرادة الشعبية وبين نهج مجموعة التبعية. والصراع هو بين الشروط التي تقرها مجموعة التبعية وتفرضها على إرادة شعبنا، تطبيقا لنهج "صناعة القبول وثقافة القطيع" الذي اختطته الرأسمالية الامريكية للهيمنة على العالم، في مرحلة التحضير لوراثة الاستعمار القديم، البريطاني- الفرنسي، بعد الحرب العالمية الثانية، وبين نهج مقاومة الهيمنة واداتها "مجموعة التبعية المحلية" الحاكمة.
· لسنا وحدنا في هذه المعركة، معركة هزيمة المخططات المعادية لشعبنا ووطننا، فمعنا كافة قوى المقاومة والممانعة وأحرار العالم، وجميع من لهم مصلحة في القضاء على أخر مظاهر الاستعمار ممثلا بالعنصرية الصهيونية.
من السذاجة التعامل مع هذه المعركة الانتخابية الراهنة بإستخفاف، بإعتبارها معركة انتخابية عادية. ومن غير المعقول في هذه الظروف الحرجة التي يمر بها وطننا وأمتنا والمنطقة، اتخاذ المقاطعة ورقة ضغط في مساومة من أجل مكاسب صغيرة على حساب قضايا مصيرية. ومن غير المقبول التعامل مع المقاطعة باعتبارها فعل مقصور على عدم الذهاب إلى صندوق الاقتراع، بل يجب الاقتناع بها كخطوة على طرق بناء مشروع نهضوي.
مقاطعة من أجل:
1. استعادة وتوسيع صلاحيات السلطة التشريعية الدستورية والطبيعية.
2. فصل السلطات مقدمة لبناء الدولة الحديثة، دولة المواطنة، وتساوي المواطينون في الحقوق والواجبات.
3. احقاق مبدأ "الشعب مصدر السلطات" وليس الرضوخ لمصالح مجموعة صغيرة معزولة عن هموم شعبنا، تعتبر نفسها مصدر السلطات.
4. إلغاء جميع القوانين المؤقتة التي صدرت بكافة المراحل، كونها غير شرعية، لتعاكسها مع نصوص وروح الدستور وتعارضها مع مصالح الشعب والوطن.
" كلكم للوطن والوطن لكم"
آب 2010
تدل مؤشرات كثيرة على إنه كلما تعمق الحوار حول الانتخابات النيابية كلما اتسعت دائرة المقاطعين بين صفوف شعبنا، وكلما تعمق الوعي بأن المقاطعة يجب أن تأتي في سياق منهجية بهدف التغيير وليس الاحتجاج، أي مقاطعة من أجل تلبية شروط إحداث التراكم المطلوب من أجل تغيير هذا الواقع المأزوم.
الحوار بدأ يأخذ منحاً واقعيا وموضوعيا، ليدور حول اعتبار المقاطعة آلية تخدم قانون التراكم، ولها مردود نضالي تراكمي يفعل فعله على الأرض في معركة كسر التبعية، بينما المشاركة تخدم تراكم لصالح نهج مجموعة التبعية الحاكمة، في إستمرار تمرير نهج قاد البلاد إلى الأزمة المعاشة.
وأخذ الحوار بعدا جديداً يدور حول شروط وآليات إنجاح المقاطعة من خلال الإجابة على مجموعة من أسئلة تأتي في هذا السياق:
هل الانتخابات النيابية فرصة سانحة لتحرير الإرادة الشعبية أولاً، واستعادة الشرعية الأخلاقية، والكرامة الشخصية والوطنية ثانيا؟ وصولا الى "المبادرة الجماهيرية التاريخية".
وهل الانتخابات تشكل فرصة يمكن الانطلاق منها في مسيرة جعل هذه الاهداف قابلة للتحقق؟.
وهل يمكن القبول بكون شرط بذل الجهد القائم على توعية وتنوير الشارع وتنمية إيمانه وثقته بإمكاناته وطاقاته الهائلة الكامنة القابلة للتفجير هي القاعدة المادية التي يمكن الاستناد اليها لتحقيق الاهداف اعلاه؟.
الجواب نعم على ضوء تجارب حقيقية حدثت على أرض الواقع، وهنا في الأردن تحديداً. فحالما قرر الشعب الأردني في خمسينات القرن الماضي رفض الاحلاف الاستعمارية، وإسقاط حلف بغداد، ضمن قواه الذاتية وقدراته المحدودة في ذلك الوقت، والتي لا تقارن بما نملك اليوم، وحيث تمكن على الفعل الإيجابي في الشارع النضالي، تمكن من إسقاط معاهدة الانتداب البريطاني وتعريب الجيش. بالرغم من ملاحظة في غاية الاهمية، حيث لا يزال جدل قائم بين النخب الأردنية، وهي "من استغل من لتمرير مشروعه"؟ هل استغل التحالف الحاكم في ذلك الوقت، البرلمان والضباط الاحرار والاحزاب التقدمية، لصالح الانتقال من الحضن البريطاني الى الحضن الأمريكي، أم إن الحركة الوطنية هي التي استثمرت هذه الحالة الانتقالية لإنجاز مهماتها ومطالبها المتمثل بتعريب الجيش وإنهاء الانتداب.
حيث عززت هذه الوقائع والأحداث بالملموس أن الأردن كان وما زال يشكل العقدة الجيوسياسية الأهم والأخطر في المنطقة.
أليس هذه "حالة دراسية" تستوجبت استخلاص العبر في سياق مجموعة من العناوين.
العنوان الأول: للصراع قوانين علمية يجب احترامها، والعنوان الثاني: أن إدارة الصراع تحتاج إلى عنصر الذكاء والابتكار، والعنصر الثالث: هو الشجاعة والاقدام في اللحظة التاريخية المحددة.
مخطىء من لم يأخذ بنظر الاعتبار هذه الدروس التاريخية واستحضارها حال مناقشة ودراسة إتخاذ قرار المشاركة أم المقاطعة أو إعادة النظر في قرار المشاركة في هذه العملية الانتخابية. وهذه العناوين هي معطيات يمكن الحوار حولها بين المعنين من قوى اجتماعية وشخصيات عامة يجب أن تؤخذ بنظر الاعتبار في تحديد الموقف من الانتخابات :
المعطى الأول: طرفي الصراع في هذه المعركة هما الشعب بعظمته من جانب ومجموعة التبعية الصغيرة والمعزولة من جانب آخر. أليس هناك قناعة بأن قوة الشعب وبكل المقايس، أعظم آلف مرة من قوة مجموعة التبعية الصغيرة والمعزولة، والتي تتحكم بالقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وتسخّره لمصالحها الخاصة ومصالح مركز رأسالمال العالمي سيدها، من خلال بيع الثروات الطبيعية ومقدرات المجتمع من شركات ومؤسسات وطنية وتسليع أراضية وكفاءاته.
وهل هناك من خلاف بكون قوة الشعب تكمن في وحدته، وأن متطلب هذه الوحدة هو في الأساس رفض نهج تفتيت المجتمع على أسس: إقليمية وجهوية وطائفية وعشائرية. وضمان وحدة الشعب من خلال تحقيق الاستقلال الناجز، وتحرير الثروات الطبيعية والإرادة السياسية، والانتقال بالدولة والمجتمع الى الانتاج الوطني، فهل هذه شروط متفق عليها؟ أم لا.
هل هناك من خلاف على أن تفعيل قوة الشعب تكمن في تحشيد واستثمار الطاقات الشعبية الكامنة بشكل واع ومنظم؟ وأن تفعيل هذه الطاقات كفيل بفرض المطالب الحقيقية للشعب، ليس فقط المطالب في الشكل (قانون الانتخاب وضمان نزاهة الانتخابات)، بل واساساً المطالب الجوهرية في المضمون، والمتمثلة في: استعادة مجلس النواب صلاحياته الدستورية وتطويرها، وتحقيق فصل السلطات، وإعادة الاعتبار إلى مبدأ "الشعب مصدر السلطات".
فإذا تم القبول بها مطالب واقعية وحقيقية، يصبح السؤال، ما المطلوب عمله من أجل تحرير الإرادة الشعبية من سطوة ثقافة التساوق مع والاستسلام لإرادة مجموعة التبعية، والتحرر من سطوة ثقافة الانبطاح "ما بيد حيلة، ولا نستطيع عمل شيء، جربنا وانخرب بيتنا...الخ" هذه الثقافة التي سهلت حدوث الأزمة الخانقة التي نعيشها اليوم في ظل غياب المساءلة والمحاسبة، والتي شملت الجميع، بمن فيهم الذين يعتقدون بأنهم سينجون، إذا ما وضعوا رؤؤسهم في الرمال. فالاستمرار في هذا النهج سوف يعمق الأزمة في الغد وصولا إلى اختناق المجتمع ككل.
المعطى الثاني: أن مركز رأسالمال العالمي ومجموعة التبعية، ومن خلال صناعة الرأي العام، تعمل بكل قوة على تزييف وعي الناس في هذا الظرف بالذات، بهدف منع حدوث أي تغيير في موازين القوى السائدة بين السلطة التنفذية والسلطة التشريعية في الأردن، وذلك لأن المشروع الذي يلبي مصالح مراكز رأسالمال العالمي، والمعلن من قبلهم، هو مشروع الشرق الأوسط الجديد/الكبير على صعيد المنطقة، ومشروع كونفدرالية الأراضي المقدسة على الصعيد الأردني –الفلسطيني- والكيان الصهيوني، بالإضافة إلى مشروع اللامركزية، وهما مشروعان برسم التصديق من قبل المجلس القادم، يخدمان هدفين في آن واحد، تصفية القضية الفلسطينية من جهة، ووضع الأردن تحت هيمنة الكيان الصهيوني من جهة أخرى.
الجميع يلمس الأزدراء والاستهانة والاستخفاف التي يتعامل بها الكيان الصهيوني مع الأردن شعباً ووطناً. ففي كل مناسبة تصدر تصريحات عن مسؤولين اسرائليين وغربيين كبار حول الأردن تنضح عنصرية، حيث تعبر التصريحات عن الفكر الصهيوني الذي يعتبر أن الأردن بقعة جغرافية تحت انتدابه، وأن الشعب الأردني مجموعة من البشر من الدرجة الثانية تحت وصايته، فكيف سيصبح الحال بعد قيام هذه الكونفدرالية؟.
ألا يجب أن تؤخذ هذه المؤشرات بنظر الاعتبار في معادلة الانتخابات من أجل إعادة التوازن بين السلطات، كمقدمة لبناء عناصر المناعة لدى الدولة والمجتمع الأردني.
كيف يجب الاستفادة من دروس واستخلاصات التجربة المعاشة والسابقة، الايجابي والسلبي، الانجاز والاخفاق، وهل يجب أن تأخذ الظروف المحيطة بنظر الاعتبار؟ الجواب نعم يجب.
وهناك معطيات يجب أن تؤخذ بنظر الاعتبار في هذا السياق:
· المشروع الصهيو-أمريكي في حالة انكسار على صعيد المنطقة وعلى الصعيد العالمي، حيث تعيش امريكا أزمة عامة اقتصادية واجتماعية وسياسية، تتعمق يوما بعد يوم، وهناك تكهونات، من مراكز ابحاث متزنة، تحذر من إمكانية أن تقود هذه الأزمة إلى انهيارها. وعلى صعيد المنطقة حققت المقاومة اللبنانية انتصارها العظيم على الكيان الصهيوني عام 2006، والمقاومة الفلسطينة تصمد وتتصدى للعدوان الصهيوني على غزة، وفعل المقاومة العراقية التي عرقلت المشروع الأمريكي، وصمدت قوى الممانعة، سوريا وأيران، وحققتا انجازات هامة، وعلى رأسها الأعتراف بهما قوى أقليمية مقررة. وحيث مشروع الشرق الاوسط الكبير/ الجديد في حالة انحسار، فأن إمكانية منع مشروع كونفدرالية الأراضي المقدسة من التحقق تصبح ممكنة، إذا ما تم على الصعيد الأردني، أن خوض معركة مقاطعة الانتخابات تهدف الى: استعادة السلطة التشريعية صلاحياتها، وفصل السلطات، والعودة لمبدأ الشعب مصدر السلطات، وحشد طاقات الشعب، هي مقدمة لبناء المشروع النهضوي الذي يحقق المناعة للدولة والمجتمع، فهل هي معركة تستحق الخوض؟ وعلى الصعيد الفلسطيني من خلال العودة الى مهمات مرحلة التحرر الوطني، سمة المرحلة التي يعيشها الشعب الفلسطيني، واستعادة وحدته، ووحدة تمثيليه، وتنمية هويتة الموحدة، ومنع تفتتها، وتعميق مسار المقاومة، وتوحيد النضال الأردني والفلسطيني على أرضية مهمات مرحلة التحرر الوطني للشعبين الفلسطيني والأردني.
· الأنتماء للأردن (دولة وشعب) يترجم على أرض الواقع، عبر العمل على بناء شروط صمود الأردن (وحدة الشعب، وتحرير إرادته) أمام المخططات المعادية، وعلى رأسها مشروع "كونفدرالية الأراضي المقدسة" بدءاً برفض مشروع "اللامركزية" الذي يقود إلى تفكيك الدولة، بالرغم من كل المبررات الزائفة، حول توسيع مشاركة الشعب، وتعميم التنمية. فالتنمية لدولة نامية كالأردن أول ما تتطلبه مركزية التخطيط ومركزية إتخاذ القرار. وتحديد مفهوم الأنتماء، بكونه انتماء للدولة كوطن وشعب، وعلى الضد تماما من مفهوم الولاء للسلطة التي تقودها مجموعة التبعية.
· التناقض الحقيقي والرئيسي في هذه المعركة الانتخابية، هو بين الإرادة الشعبية وبين نهج مجموعة التبعية. والصراع هو بين الشروط التي تقرها مجموعة التبعية وتفرضها على إرادة شعبنا، تطبيقا لنهج "صناعة القبول وثقافة القطيع" الذي اختطته الرأسمالية الامريكية للهيمنة على العالم، في مرحلة التحضير لوراثة الاستعمار القديم، البريطاني- الفرنسي، بعد الحرب العالمية الثانية، وبين نهج مقاومة الهيمنة واداتها "مجموعة التبعية المحلية" الحاكمة.
· لسنا وحدنا في هذه المعركة، معركة هزيمة المخططات المعادية لشعبنا ووطننا، فمعنا كافة قوى المقاومة والممانعة وأحرار العالم، وجميع من لهم مصلحة في القضاء على أخر مظاهر الاستعمار ممثلا بالعنصرية الصهيونية.
من السذاجة التعامل مع هذه المعركة الانتخابية الراهنة بإستخفاف، بإعتبارها معركة انتخابية عادية. ومن غير المعقول في هذه الظروف الحرجة التي يمر بها وطننا وأمتنا والمنطقة، اتخاذ المقاطعة ورقة ضغط في مساومة من أجل مكاسب صغيرة على حساب قضايا مصيرية. ومن غير المقبول التعامل مع المقاطعة باعتبارها فعل مقصور على عدم الذهاب إلى صندوق الاقتراع، بل يجب الاقتناع بها كخطوة على طرق بناء مشروع نهضوي.
مقاطعة من أجل:
1. استعادة وتوسيع صلاحيات السلطة التشريعية الدستورية والطبيعية.
2. فصل السلطات مقدمة لبناء الدولة الحديثة، دولة المواطنة، وتساوي المواطينون في الحقوق والواجبات.
3. احقاق مبدأ "الشعب مصدر السلطات" وليس الرضوخ لمصالح مجموعة صغيرة معزولة عن هموم شعبنا، تعتبر نفسها مصدر السلطات.
4. إلغاء جميع القوانين المؤقتة التي صدرت بكافة المراحل، كونها غير شرعية، لتعاكسها مع نصوص وروح الدستور وتعارضها مع مصالح الشعب والوطن.
" كلكم للوطن والوطن لكم"
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق