الأربعاء، ١٨ آب ٢٠١٠

الحرية : الاختيار بين الخنادق والزنازين

kolonagazza
مصطفي الغزاوي
رحلة المواطن العربي بين الخنادق والزنازين ، هي قصة كل مواطن وبلا استثناء.
فالخندق ليس بالضرورة في ساحة القتال ، بل خنادق الانسان العربي وصلت الي منزله ،وعمله ، وفي مواجهة كافة مسئولياته ، الخندق للانسان العربي صار سكونا عن الحياه يتجنب به العجز الذي أصاب القدره لديه. وانضمت ساحات الحياه الي ساحة القتال فما صار القتال شهامة وفرض عين ، ولا بقيت الحياة آمنه ، تتيح إعمار الارض كما فرض الله علي الانسان الحر.
وفتحت الزنازين ابوابها للانسان العربي ، فما إن يخرج المواطن من خندق لجأ اليه ليحتمي من محاولات القنص التي يتعرض لها ، إلا وتتلقاه أذرع قوانين الطوارئ لتسبغ عليه تهمة تعريض الأمن والسلم الوطنيين وأحيانا العالميين للخطر ، وتلقي به في زنزانة السجن.
عائد النصر لمن ؟؟؟ سؤال فرض نفسه في زمن الإعداد لحرب التحرير بعد 1967 ، وقت أن وضع الشعب كل شبابه وكل امكاناته تحت السلاح ووراءه بهدف استرداد الكرامه والارض ، وهو سؤال يعود ليفرض نفسه بعد قرابة الاربعين عاما من صمت المدافع علي جبهة قناة السويس ، وكأنه بكاء علي اللبن المسكوب. من اقتنص مصر بعد انتهاء عمليات 1973؟ ،سؤال يفرض نفسه ولكنه لا يملك زخم إلتفاف الشعب ووحدته في مواجهة اسرائيل. وبعد أن خرج المقاتلون من الخنادق في اعقاب 1973 وجدوا الزنازين علي مصراعيها في يناير 1977 ، وهم يطالبون بحقهم في الحياة الكريمه. وماكادت السنه تنقضي حتي ركب من فتح الزنازين للشعب طائرة للقدس ليخترق حاجز الازمة النفسيه مع اسرائيل.
صار الحديث عن الحرب متهما بأنه محاولة للتوريط ، وليس هناك من يقول لنا توريط من مع من؟ ، نحن نرفض الحديث عن الحرب وهي من حولنا ، يصل الي سماءنا دخان حرائقها ، وتصم أذاننا أصوات مدافعها ، ونيرانها تقضم الارض من حولنا ، تلتهمها ، وتتآكل الامكانات العربيه ، بل والمسلمات العربيه ، ما هو فكري وعقائدي وما هو مادي أرضا وماءا وثروة طاقة. وفي نفس الوقت تفرض اسرائيل مدي نفوذها طبقا لمدي طائراتها وصواريخها وقدرتها النيرانيه التي وصلت لامتلاك غواصات الدولفين وطائرات إف 35 ، وليس طبقا لمدي خطوات المشاه من جنودها كما قال بن جوريون ، ونحن ممنوعون من الحديث عن الحرب ، واعلن اصحاب القرار بعد 1973 أنها آخر الحروب ، ولم يسمعهم أحد. وأعلنوا وحدهم ، استراتيجية السلام ، تعبيرا يثير من الاستغراب أكثر مما يفرض من القناعه ، فهل هناك من يعلن استراتيجية نهايتها القتل والقتال ؟ وهل الحرب غير وسيلة وليست بغاية ؟ وهل الغاء إحتمال فتال العدو يفتح باب السلام ؟ وهل التفاوض رهن بالنوايا الحسنة أم أنه تعبير عن القوه في كل ميادين الحياه والقوة العسكريه واحدة منها ؟.
وعلي الجانب الآخر حسم ديفيد بن جوريون مبكرا أمر السلام والحل في قوله :"لا تتعبوا أنفسكم في البحث عن حل ... ليس هناك حل ... الأرض واحدة ، وطالب الأرض اثنان ، ولابد أن تكون لواحد منهما فقط ، ولابد أن يكون الشعب الإسرائيلي هو هذا الواحد الذي يحصل علي الأرض ويملكها ، والحل الوحيد بالنسبه له ــ إذا كان هناك حل ــ أن يسعي بكل الوسائل ــ بما فيها القوة والسياسه وحتي الخديعه ــ لكي يجعل الطرف الآخر يرضي بالتنازل عن مطلبه."
وهكذا وصلنا من جديد لزمن "اللا حرب واللا سلم" في أمر المواجهة مع المشروع الصهيوني الذي استحل القوة والسياسة والخديعه.
لم تعد المواجهة مع المشروع الصهيوني فوق ارض فلسطين او في محيطها ، ولكنها امتدت لتشمل كل افريقيا وأسيا وأمريكا اللاتينيه كما شملت روسيا ، وسلاح الاختراق الاسرائيلي هو الصناعات العسكريه ، والتكنولوجيا المتقدمه ، والطائرات بدون طيار وطائرات الاواكس ، كما شمل التدريب ، وخاصة للاجهزة الامنيه وحرس القصور الرئاسيه والقيادات العسكريه ، وتولت اسرائيل مهام العلاقات العامه تمهد لهم عالميا في التسويق والانتاج والمشروعات الضخمه وتمويلها وحشد الدعم من حولها كما الحال في أمر مشروعات منابع النيل ووصولا الي مجال كرة القدم. تخوض اسرائيل مواجهة وجود شامله حول العالم ، دخلت اليهم من حيث مصالحهم ، وانشغلنا نحن بالاقتتال الداخلي (العربي ــ العربي). والاهم فيما تملكه اسرائيل انها تملك القدره علي اتخاذ القرار ، وفق احتياجاتها الاستراتيجيه ، وهذه الرؤيه الاستراتيجيه تملكها ايضا ولا تدعيها وحيا وإلهاما من شخص هنا او هناك.
ويتردد حديث الحرب الآن ، ويحصرون الخيارات في ايران ولبنان ، ويغفلون السودان وكأن الحرب القادمه في السودان لم تنطلق رحاها بعد. وهكذا دائما يكتشف العرب متأخرين ان أزمنة صمت المدافع لا تعني بالضروره غياب الحرب ، ولكنها مراحل اعداد ميادين القتال ، وتنسيق الجهود ، ودرأ الآثار الجانبيه. فقبل السودان كانت العراق. ليكشف لنا بوب ودورد في كتابه "خطة الهجوم" عن مدي حميمية العلاقه بين بندر بن سلطان وبوش ، وكيف كان التلاقي الامريكي السعودي في مواجهة صدام حسين.
في 1994 كان الملك فهد قد اقترح علي الرئيس كلينتون عمليه امريكيه سعوديه مشتركه للإطاحه بصدام حسين ، وكان ولي العهد الامير عبد الله قد اقترح في ابريل 2002 علي بوش إنفاق ما يصل الي مليار دولار امريكي علي مثل هذه العمليات المشتركه مع السي آي إيه ، وفي لقاء تم بالمكتب البيضاوي في 15 نوفمبر 2002 يقول بندر لبوش"إنهم بدؤوا يشكون بمدي جدية أمريكا حول قضية تغيير النظام" ، ويرد بوش " قل للامير إنني أعده !". وفي لقاء ثان بتاريخ 11 يناير 2003 مع تشيني ورامسفيلد والجنرال ميرز يقول تشيني لبندر بعد أن عرضوا عليه خرائط العمليات وخطط الانتشار واحتياجاتهم من المملكه : " تأكد يا أمير بندر أن صدام سيصبح قطعة خبز محمصه لحظة ننطلق " ، ويحمل بندر طلبات التسهيلات لولي العهد الذي يطلب منه التحفظ علي ما عنده ويكلفه بدور الوسيط مع فرنسا ، ليعود بندر للقاء كوندليزا رايس في الاسبوع الاول من فبراير ويؤكد لها أنه والرئيس المصري ورفيق الحريري يؤكدون أن شيراك عازما علي السير في اتجاه الحرب.كما أبلغ الرئيس المصري بندر أن لدي المصريين عددا كبيرا من مصادر المعلومات الاستخباراتيه داخل العراق قائلا "إن استخباراتنا قد أكدت أن هناك مختبرات متحركه لصنع أسلحه بيولوجيه."!!
إستهدفوا صدام ومزقوا العراق ولم يترددوا ، وها هي اسرائيل تجني كل النتائج. وانتقل المواطن العراقي من خنادق الحرب والحصار لمدة 12 عاما الي زنازين أبوغريب.
واليوم يحدث أمر مشابه حول السودان ، فالظاهر أن حزبا سودانيا وحركة سودانيه قد وضعا ايديهما علي الوطن السودان ، ومصيره ، وصار "بافان أموم" أمين عام الحركه الشعبيه لتحرير السودان هو مصدر التأكيد بضمان حقوق الشماليين والمسلمين ؟! وعندما توقف الحركه طائرة هليكوبتر شماليه ، يخرج للرد علي الاتهامات الجنوبيه متحدث باسم المؤتمر الوطني السوداني ، وإنزوت الدوله ، ورئيسها مطلوب أمام محكمة جرائم الاباده ، كما جري مع صدام ، وتتلبس الحكمه عربا يخرجون علينا أنهم مع حق تقرير المصير بالانفصال للجنوب عن الشمال ، وكأنهم لا يدركون القادم من حركات انفصاليه ، او هم يدركونه ويسعون اليه.
الحرب القادمه يشتعل فتيلها في جنوب السودان ومازال فتيل القتال في دارفور مشتعلا ، وما الذي يمكن ان تكشفه الايام القادمه حول الادوار العربيه التي تدفع المليارات لقتل صدام وتغيير نظامه ، وهي تدير ظهرها الآن للسودان ؟ ما الذي يجري في الخفاء؟.
الحرب والسلام والتقسيم أحاديث يمكن أن تكون مؤجله عندما ينفجر الحديث عن التغيير الذي يملأ الفضاء المصري ، والذي دخلت عليه جريدة معاريف الاسرائيليه ــ كما ورد بجريدة الفجر المصريه 16/8 ــ أن هناك خطة حكوميه لتوصيل "أمير مصر" للسلطه ، وفي حديث للوريث المرشح مع صحيفة "بوليتيك انترناشيونال" يقرر أن السلام مثل الثروة التي يجب الحفاظ عليها ، ويعود ليحدد أن اهم الشخصيات التي أعجب بها في حياته " ونستون تشرشل ومارجريت تاتشر بسبب قدرتهما علي إحداث التغيير لمصلحة شعوبهم"!!.
وتنتقل مصر من دوامة الصراع من أجل ايقاف بيع الثروة القوميه من الارض وما فوقها وما بباطنها ،و صراع في مواجهة التوريث ، الي الحديث عن رغبة في التغيير ، حديث تأثر بما جري في الخنادق وما بعد صمت المدافع ، وأيا ما كانت نتيجة هذا التفاعل ، فبالقطع سوف يؤثر علي خيارات الحرب والسلام ونتائج التقسيم.
الانسان الحر يقبل بإرادته القتال عبر الخنادق دفاعا عن الحياة والارض ، وهو ذاته الانسان الذي لا تُرهب إرادته زنازين القهر من بعد التحرير ، وإن قدّر الزمن له أن يعود للقتال ، عاد ولكن وفق قوانين وقواعد جديده تضمن ألا يُسرق منه عائد النصر ثانية.

ليست هناك تعليقات: